الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.الفرق بين الاتقاء والخشية: .الفرق بين الخوف والبأس والبؤس: .الفرق بين الحيرة والدهش: .الفرق بين الخجل والحياء: أي لم يبقوا دهشين مبهوتين. .الفرق بين الرجاء والطمع: .الفرق بين الوجل والأمل: .الفرق بين اليأس والقنوط والخيبة: .التفسير الإشاري: التأويل: {ربما يود الذين كفروا} أي النفوس الكافرة {لو كانوا} مستسلمين لأوامر الله ونواهيه، وذلك إنما يكون عند استيلاء سلطان الذكر على القلب والروح، وتنور صفاتها بنور الذكر فيغلب النور على ظلمة النفس وصفاتها وتبدلت أحوالها من الأمّارية إلى الاطمئنان فتمنت حين ذاقت حلاوة الإسلام وطعم الإيمان لو كانت من بدء الخلق مسلمة مؤمنة كالقلب والروح. ثم هدد النفس التي ذاقت حلاوة الإسلام ثم عادت الميشوم إلى طبعها واستحلت المشارب الدنيوية بقوله: {ذرهم يأكلوا} {وما أهلكنا من قرية} من القرى البدنية بإفساد استعدادها {إلا ولها كتاب} مكتوب في علم الله من سوء أعماله وأحواله {ما تسبق من أمة أجلها} متى يظهر منها ما هو سبب هلاكها {وما يستأخرون} لحظة بعد استيفاء أسباب هلاكها {وقالوا} يعني النفوس المتمردة مخاطبًا للقلب الذاكر {لو ما تأتينا} بصفات الملائكة المنقادين، وفيه إشارة إلى أن النفس الأمارة لا تؤمن بما أنزل الله إلى القلوب من أنوار الإلهية حتى تصير مطمئنة مستعدة لهذه الصفات، ولو أنزلت قبل أوانها وكمال استعداد القلوب ما كانوا إذًا منظرين مؤخرين من الهلاك لضيق نطاق طاقتهم {إنا نحن نزلنا} كلمة لا إله إلا الله في قلوب المؤمنين {كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: 22]، والمنافق يقول ذلك ولكن لم ينزل في قلبه ولم يحفظ. {ولو فتحنا} على من أسلكنا الكفر في قلوبهم {بابًا من} سماء القلب لأنكروا فتح الباب، ولقد جعلنا في سماء القلب بروج الأطوار، فكما أن البروج منازل السيارات فكذلك الأطوار منازل شموس المشاهدات وأقمار المكاشفات وسيارات اللوامع والطوالع {وزيناها} لأهل النظر السائرين إلى الله {وحفظناها من} وساوس الشيطان وهواجس النفس الأمارة، ولكن من استرق السمع من النفس والشيطان فأدركه شعلة من أنوار تلك الشواهد فيضمحل الباطل ويتبين الحق {والأرض مددناها} فيه أن أرض البشرية تميل كنفس الحيوانات إلى أن أرساها الله بجبال العقل وصفات القلب {وجعلنا لكم فيها معايش} هي أسباب الوصول والوصال {ومن لستم له برازقين} وهو جوهر المحبة وإن غذاءه من مواهب الحق وتجلي جماله فقط، ولكل شيء خزانة فلصورة الأجسام خزانة، ولاسمها خزانة، ولمعناها خزانة، وكذا للونها ولطعمها ولخواصها من المنافع والمضار، وكذا لظلمتها ونورها ولملكها وملكوتها، وما من شيء إلا وفيه لطف الله وقهره مخزون، وقلوب العباد خزائن صفات الله تعالى بأجمعها {وأرسلنا} رياح العناية {لواقح} لأشجار القلوب بأنهار الكشوف وبأثمار الشواهد كما قال بعضهم: إذا هبت رياح الكرم على أسرار العارفين أعتقهم من هواجس أنفسهم ورعونات طبائعهم، وظهر في القلوب نتائج ذلك وهي الاعتصام بالله والاعتماد عليه. {فأنزلنا من} سماء الهداية {ماء} الحكمة {وما أنتم له بخازنين} في أصل الخلقة فإن المخلوق لا يوصف بالحكمة إلا مجازًا، وإنا لنحن نحيي قلوب أوليائينا بأنوار جمالنا، ونميت نفوسهم بسطوة جلالنا {ونحن الوارثون} بعد إفناء وجودهم ليبقوا ببقائنا {وإن ربك هو} يحشر المستقدمين إلى حظائر قدسه والمستأخرين إلى أسفل سافلين الطبيعة، خاطب إبليس النفس بقوله: {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} أي إلى أن تطلع شمس شواهدنا من مشرق الروح وتصير أرض النفس مشرقة وتتبدل صفاتها الذميمة المظلمة بالأخلاق الروحانية الحميدة {إلى يوم يبعثون} أي يبعث الأرواح في قيامة العشق وهو الوقت المعلوم الذي يتجلى الرب فيه لأرواح العشاق، فينعكس نور التجلي من الأرواح إلى النفوس فتجعلها مطمئنة. {بما أغويتني} أضللتني من طريق الأمارية {لأزينن} للأرواح في أرض البشرية من الأعمال الصالحات التي تورث الأخلاق الحميدة وبها تربية الأرواح وترقيها {ولأغوينهم أجمعين} عما كانا عليه من الأعمال الروحانية الملكية التي لا تتأتى إلا لعبادك الذين خلصوا من حبس الوجود بجذبات الألطاف. {هذا صراط} أي هو طريق أهل الاستقامة في السير في الله المنقطعين عن غيره {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} حجة تتعلق بتلك الحجة لهدايتهم وإغوائهم فإنهم بلاهم، وإن من خصوصية العبودية المضافة إلى الحضرة الحرية عما سواه {لها سبعة أبواب} من الحرص والشره والحقد والحسد والغضب والشهوة والكبر، أو الأبواب السبعة إشارة إلى الحواس الخمس الظاهرة وإلى الوهم والخيال فإنهما أصلا الحواس الباطنية، لأن الأول يدرك المعاني والثاني يدرك الصور، والباقية- أعني المفركة والحافظة والذاكرة- من أعوانهما، وأكثر ما يستعمل الإنسان هذه المشاعر إنما يستعملها في الأحوال الدنيوية المفضية إلى الهلاك، فلا جرم صارت أبوابًا لجهنم. فإذا استعملها في تحصيل السعادات الباقية بحسب تصرف العقل الغريزي صرن مع العقل أبوابًا بل أسبابًا لحصول الجنة. {ادخلوها بسلام} والسلام من الله الجذبات {آمنين} من موانع الخروج والدخول بعد الوصول فإن السير في الله لا يمكن إلا بالله وجذباته ولهذا قال جبرائيل ليلة المعراج: لو دنوت أنملة لاحترقت. {ونزعنا} فيه أن نزع الغل من الصدور لا يكون إلا بنزع الله، وأن الأرواح القدسية مطهرات عن علائق القوى الشهوانية والغضبية مبرءات من حوادث الوهم والخيال، ومعنى تقابلهم أن النفوس المصفاة عن كدورات عالم الأجسام ونوازع الخيال والأوهام إذا وقع عليها أنواع جمال الله أو جلاله انعكست منها إلى من في مثل درجاتها كما تتعاكس المرايا الصافية، المتحاذية، فيزداد كل منها في نفسها بخفاء صفاتها، وفي قوله: {نبىء عبادي} إشارة إلى أن سلوك السالكين وطير الطائرين يجب أن يكون على قدمي الرجاء والخوف وجناحي الإنس والجن والله الموفق للصواب. اهـ. .تفسير الآيات (57- 66): .مناسبة الآية لما قبلها: فلما تحقق البشرى ورأى إتيانهم مجتمعين على غير الصفة التي يأتي عليها الملك للوحي، وكان هو وغيره من العارفين بالله عالمين بأنه ما تنزل الملائكة إلا بالحق، كان ذلك سببًا لأن يسألهم عن أمرهم ليزول وجله كله، فلذلك {قال فما} بفاء السبب {خطبكم} قال أبو حيان: والخطب لا يكاد يقال إلا في الأمر الشديد- انتهى. وقال الرماني: إنه الأمر الجليل {يا أيها المرسلون} فإنكم ما جئتم إلا لأمر عظيم يكون فيصلًا بين هالك وناج {قالوا إنا} ولما كان عالمًا بمرسلهم، بنوا للمفعول قولهم: {أرسلنا} أي بإرسال العزيز الحكيم الذي أنت أعرف الناس في هذا الزمان به {إلى قوم} أي ذوي منعة {مجرمين} أي عريقين في الإجرام كلهم. ولما كان إرسالهم للعذاب، قالوا مستثنين من الضمير في {مجرمين} أي قد أجرموا كلهم إجرامًا عظيمًا {إلا آل لوط} فاستثنوهم من أن يكونوا مجرمين، المستلزم لكونهم ما أرسلوا لتعذيبهم، فكان ذلك محركًا للنفس إلى السؤال عن حالهم، فإنهم ممن وقع الإرسال بسببه، فأجابوا بقولهم: {إنا لمنجوهم} أي تنجية عظيمة بتدريج الأسباب على العادة {أجمعين إلا امرأته}. فلما استثنوها من أن ينجّوها فكان أمرها محتملًا لأن تعذب ولأن ينجيها الله تعالى بسبب غيرهم، تشوفت النفس للوقوف على ما قضى الله به من ذلك، فقيل بإسناد الفعل إلى أنفسهم لما لهم من الاختصاص بالمقدر سبحانه: {قدرنا} ولما كان فعل التقدير متضمنًا للعلم، علقه عن قوله: {إنها} أي امرأته، وأكد لأجل ما أشير إليه هنا من عظيم تشوف الخليل عليه السلام إلى معرفة أمرهم وتشديد سؤاله، في نجاة لوط عليه السلام وجميع آله- كما مضى التصريح به في هود- فطمًا له عن سؤال في نجاتها بخلاف ما في النمل، فإن سياقها عار عن ذلك {لمن الغابرين} أي الباقين الذين لا ينجون مع لوط عليه السلام، بل تكون في الهلاك والعبرة؛ والآل- قال الرماني: أهل من يرجعون إلى ولايته، ولهذا يقال: أهل البلد، ولا يقال آل البلد، والتقدير: جعل الشيء على مقدار غيره لتظهر المساواة والمباينة، والغابر: الباقي فيمن يهلك. فلما تم ما أريد الإخبار عنه من تحاورهم مع إبراهيم عليه السلام، أخبر عن أمرهم مع لوط عليه السلام، فقال: {فلما} بالفاء الدالة على سرعة وصولهم إليه، وكأنه ما اشتد إنكاره لهم إلا بعد الدخول إلى منزله، إما لخوفه عليهم وهم لا يخافون، أو غير ذلك من أحوال لا تشبه أحوال البشر فلذا قال: {جاء آل لوط} أي في منزله {المرسلون} أي لإهلاك قومه {قال إنكم قوم} أي أقوياء {منكرون} لابد أن يكون عن إتيانكم إلى هذه البلدة شر كبير لأحد من أهل الأرض، وهو معنى {سيء بهم} [العنكبوت: 33]. الآية، فقدم حكاية إنكاره إياهم وإخبارهم عن العذاب لمثل ما تقدم في قصة إبراهيم عليه السلام من الزجر عن قولهم {لو ما تأتينا بالملائكة} المحتمل لإرادة جميع الملائكة {إن كنت من الصادقين} تعريفًا لهم بأن بعض الملائكة أتوا من كانا أكمل أهل ذلك الزمان على أجمل صور البشر، مبشرين لهما، ومع ذلك خافهم كل منهما، فكيف لو كان منهم جمع كثير؟ أم كيف لو كانوا على صورهم؟ أم كيف لو كان الرائي لهم غيرهما؟ أم كيف لو كان كافرًا {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرًا محجورًا} [الفرقان: 22]، ويجوز أن يكون قوله لهم هذه المقالة إنما كان عند إخبارهم له بأنهم رسل الله، ويكون المعنى حينئذ أنكم لستم على صفة الآتي بالوحي، فقد اشتد على أمركم، لكوني لا أعرفكم مع الاستيحاش منكم، وذلك بعد محاورته لقومه ثم مقارعتهم عنهم، فكان خائفًا عليهم، فلما أخبروه أنهم ملائكة خاف منهم أن يكونوا أتوا بشيء يكرهه، وقد تقدم آنفًا أن الإخبار عما كان في حين من الأحيان لا يضر تقديم بعضه على بعض ولا إسقاط بعض وذكر آخر، ولم يزد هنا الحرف الذي أصله المصدر، وهو {أن} كما في العنكبوت، لأن استنكاره لهم وإن كان مرتبًا على مجيئهم إلا أنه ليس متصلًا بأوله بخلاف المساءة. ولما كانت حقيقة المنكر ما خرج عن عادة أشكاله، ولم يكن على طريقة أمثاله، أضربوا عن قوله، وكان جوابهم أن {قالوا بل} أي لسنا منكرين لأنا {جئناك} لنفرج عنك {بما} أي بسبب إيقاع ما {كانوا} أي جبلة وطبعًا {فيه يمترون} بما جرت عادتنا أن نأتي بمثله من العذاب الذي كانوا يشكون فيه شكًا عظيمًا، يحملون نفوسهم عليه ويكذبون به، والجاهل يوصف بالشك وإن كان مكذبًا من جهة ما يعرض له منه، من حيث إنه لا يرجع إلى ثقة فيما هو عليه {وأتيناك بالحق} الفاصل بينك وبينهم، الواقع بهم مطابقًا لإخبارنا؛ والإتيان: الانتقال إلى جهة الشيء، والذهاب: الانتقال عنه {وإنا لصادقون} في الإخبار بما يطابق الواقع. ولما أخبروه بوقوع العذاب بهم، أمروه بما يكون سببًا فيما أمروا به من إنجائه، فقالوا: {فأسر} فأتو بالفاء لأن ما بعدها مسبب عما قبلها {بأهلك بقطع} أي طائفة {من الليل واتبع} أي كلف نفسك أن تتبع {أدبارهم} لتكون أقربهم إلينا وإلى محل العذاب، لأنك أثبتهم قلبًا وأعرفهم بالله، والشر من ورائكم، وقد جرت عادة الكبراء أن يكونوا أدنى جماعتهم إلى الأمر المخوف سماحًا بأنفسهم وتثبيتًا لغيرهم، وعلمًا منهم بأن مداناة ما فيه وجل لا يقرب من أجل، وضده لا يغني من قدر، ولا يباعد من ضرر، ولئلا يشتغل قلبك بمن خالفك، وليحتشموك فلا يلتفتوا، أو يتخلف أحد منهم- وغير ذلك من المصالح؛ والدبر: جهة الخلف وهو ضد القبل {ولا يلتفت} أي أصلًا {منكم أحد} إذ لا فائدة فيه لأن الملتفت غير ثابت، لأنه إما غير مستيقن لخبرنا أو متوجع لهم، فمن التفت ناله العذاب، وذلك أيضًا أجد في الهجرة، وأسرع في السير، وأدل على إخراج ما خلفوه من منازلهم وأمتعتهم من قلوبهم، وعلى أنهم لا يرقون لمن غضب الله عليهم مع أنهم ربما رأوا ما لا تطيقه أنفسهم {وامضوا حيث} وتعبيره بالمضارع يشعر بأنه يكون معهم بعض الملائكة عليهم السلام في قوله: {تؤمرون}. ولما تقرر بهذا أمر إهلاكهم من غير تصريح ولا تعيين لوقت، قال تعالى: {وقضينا} أي بما لنا من العظمة، موحين {إليه} أي خاصة {ذلك الأمر} وأشار إلى تعظيمه بالإشارة إليه بأداة البعد، ثم فسره بقوله: {أن دابر} أي آخر {هؤلاء} أي الحقيرين عند قدرتنا، وأشار بصيغة المفعول إلى عظمته سبحانه وسهولة الأمر عنده فقال تعالى: {مقطوع} حال كونهم {مصبحين} ولا يقطع الدابر حتى يقطع ما دونه، لأن العدو يكون مستقبلًا لعدوه، فهو كناية عن الاستئصال بأن آخرهم وأولهم في الأخذ سواء، لأن الآخذ قادر، لا كما يفعل بعض الناس مع بعض من أنهم يملون في آخر الوقائع فيفوتهم البعض. اهـ. .القراءات والوقوف: .القراءات: .الوقوف:
|